18‏/8‏/2008

مفاوضات الصحراء بين بيكر وفالسوم


ترك الأمين العام للأمم المتحدة لموفديه الى المناطق الملتهبة أو المنسية صلاحيات تقدير الحلول الملائمة التي يفترض ان لا تحيد عن مبادئ الشرعية الدولية. ولأن الاسلوب هو الرجل فإن كل موفد يقترح الحل الذي يراه ملائماً. وفي قضية الصحراء الغربية تحديداً، ومنذ حوالي عقدين، لم تخرج الحلول المقترحة عن تثبيت وقف النار وبلورة صيغة لتقرير مصير السكان. فقد درج كل من اريك جونسون وجيمس بيكر وبيتر فان فالسوم على الإمساك بالخيوط المتشابكة للنزاع. وبقدر ما التقت رؤيتا جونسون وفالسوم عند البحث عن حل لا يترتب عليه تغيير خرائط المنطقة، سعى بيكر لأن يلعب دوراً سياسياً في التقريب بين وجهات النظر المتعارضة. فتارة كان يرضي المغرب وتارة كان يميل نحو الجزائر و «بوليساريو». وحين أيقن عدم جدوى الوفاق على الأرض قدم استقالته واختار الانكفاء بعيداً عن نزاع لا يغوي كثيراً بالرصد


والمتابعة.الآن، إذ تعلن الأمم المتحدة صراحة ان اي تغيير لن يطرأ على مهمات الموفد الدولي في قضية الصحراء بيتر فان فالسوم، فلأنها تذعن لمنطق ان الحَكَم الجيد لا يمكن استبداله في الشوط الاخير من اي مباراة. والحكام مثل غيرهم من الساسة يشار إليهم بأصابع الانتقاد عند نهاية كل مباراة. وقليل منهم يقابل بارتياح واشادة المهزوم والمنتصر.الأكيد ان ملعب الأمم المتحدة ليس في حجم المساحات الأقل اتساعاً التي تتحرك ضمنها المنظمات الاقليمية. فقد عجزت عن بلورة حل وفاقي لنزاع الصحراء على رغم انها كانت أول من تسلم الملف. والحال ان جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي ابتعدتا عن التداول في نزاع اقليمي كان من شأنه ان يزيد من اعبائهما. فيما ان الاتحاد المغاربي لم يشأ ان ينشغل بقضية الصحراء ووضعها بين قوسين، ليكتشف ان القوسين تحولا الى عائق حقيقي.أبعد من هذا التشخيص ان تعاطي الامم المتحدة يحتم وجود شركاء متعاونين، طالما انه ليس وارداً ان تفرض حلاً على الأطراف المعنية من دون موافقتهم على صيغته والآليات التي تدفع في اتجاه التوصل الى تسوية وفاقية. وفي حال تهرب أي طرف من تحمل المسؤولية في الذهاب إلى اقصى ما يتطلبه الحل الوفاقي، يكون مبدأ التعاون الكامل قد تعرض للخرق والانتهاك. وليس من اختصاص أي طرف ان يفرض على الأمم المتحدة الحكم الذي يريده في رعاية الأشواط المتبقية من المفاوضات، لأن ذلك لن يساعد في تأمين شروط الحياد والموضوعية.يوم رأت الرباط، وهي طرف محوري في المفاوضات، ان الوسيط جيمس بيكر انحاز الى أطروحة مغايرة لما تقبل به لم تطلب الى الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي انان استبداله. فقد اختار بيكر ان ينسحب بمحض إرادته لاعتبارات قد لا يكون لها علاقة مباشرة بإدارته ملف الصحراء. ومن غير المنطقي ان يطلب من أي طرف آخر إلا الأمين العام الحالي بان كي مون تغيير مبعوثه فالسوم، لأن ذلك سيفتح المجال أمام البحث عن ثغرات لإسقاط أي موفد دولي يغضب هذا الطرف أو ذاك. والأهم ان المفاوضات بدأت بوتيرة متباطئة، لكنها أحدثت اختراقاً كبيراً على طريق اعتبارها الوسيلة الأنجع. وليس هناك ما يبرر العودة الى نقطة الصفر.إطار المفاوضات هو ما يتعرض الآن الى بعض الانتقاد. فقد جربت الأطراف ان تتفاوض سابقاً عبر قنوات سرية وعلنية. كان الأمر المهم في البداية هو مجرد الاعتراف بجبهة «بوليساريو» كطرف في المشكلة والحل. ثم انتقلت المفاوضات التي أدارها جيمس بيكر الى البحث في واحد من ثلاثة خيارات: الدمج الكامل للاقليم مع المغرب أو تكريس استقلاله أو منحه حكماً ذاتياً موسعاً. وها هي تراوح مكانها تحت مظلة الحل السياسي على اساس لا غالب ولا مغلوب. فهل تملك المنطقة المغاربية هذه المرة قابلية العودة الى الصفر أو التخلص من عقدة اسمها الصحراء؟

محمد الأشهب

الحياة - 27/07/08//